"24 نيسان.. حين تحوّل الجلاد إلى ضحية وسُرقت ذاكرة الشرق المسلم"
الدكتور مختار فاتح
1 gün önce
كشف النقاب عن المجازر الأرمنية بحق مسلمي الأناضول عام 1915
في كل عام، وتحديدًا في الرابع والعشرين من نيسان/أبريل، تُبث الروايات المكرّرة عن ما يُعرف بـ"الإبادة الأرمنية"، وتُمارَس ضغوط دولية لفرض الاعتراف بما تسوّقه بعض الجهات السياسية والتاريخية على أنه "جريمة ضد الإنسانية".
لكن خلف هذه السردية السطحية، تختبئ حقيقة دامغة وصادمة: ما جرى في شرق الأناضول عام 1915 لم يكن إبادة ضد الأرمن، بل صراعًا دمويًا بدأته ميليشيات أرمنية مدعومة من قبل قوى الهيمنه ، وراح ضحيته مئات الآلاف من المسلمين، من الأتراك والكُرد والعرب والجركس والتركمان ثمنًا باهظًا من دمائهم على يد العصابات الأرمنية المدعومة من القوى الاستعمارية، وعلى رأسها روسيا القيصرية وفرنسا وانكلترا .
أرقام موثقة.. وصمت دولي متواطئ
تؤكد الوثائق العثمانية أن العصابات الأرمنية ارتكبت مجازر بشعة في مناطق شرق الأناضول، حيث تشير إحدى الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد ضحايا هذه المجازر بلغ 701,109 مسلمًا، غالبيتهم من الكُرد، بين عامي 1914 و1921. ويُظهر الأرشيف العثماني (BOA) في إسطنبول أكثر من 2,100,000 وثيقة تاريخية تتعلق بجرائم الأرمن، يمكن الوصول إليها إلكترونيًا عبر موقع الأرشيف العثماني الرسمي، باستخدام كلمة "Ermeni".
أما السفارة الأمريكية لدى الدولة العثمانية، فقد رصدت الأرقام من الطرفين. ففي رسالة وجهها السفير الأمريكي هنري مورغنثاو (Henry Morgenthau) إلى الرئيس وودرو ويلسون عام 1919، جاء ما يلي:
"عدد الأرمن القتلى الذين وثقتهم الدولة العثمانية بلغ 53,000، بينما عدد المسلمين القتلى على يد العصابات الأرمنية بلغ 516,000. عدد الأرمن الإجمالي في العالم لا يتجاوز 2 مليون، نصفهم فقط يعيشون ضمن الأراضي العثمانية."
(Henry Morgenthau Papers, Library of Congress, Box 59, Letter to Woodrow Wilson, 1919)
مجازر بلا رحمة.. طالت النساء والأطفال والشيوخ
الجرائم الأرمنية لم تكن مجرد عمليات عسكرية، بل كانت تطهيرًا عرقيًا موصوفًا بحق المسلمين. تتحدث الروايات العثمانية وشهادات الناجين عن بطون حوامل بُقرت، وثديي نساء قُطّعا، وأطفال ذُبحوا وهم بين أذرع أمهاتهم، فقط لأن آباءهم كانوا يقاتلون على جبهات البلقان أو القوقاز دفاعًا عن الدولة.حتى حلمات النساء، بحسب روايات الناجين، صُنعت منها مسابح كوسيلة للسخرية والاحتقار من الضحايا. كانت تلك العصابات لا تفرّق بين تركي أو كردي أو عربي أو جركسي أو تركماني؛ الكل كان مستهدفًا لأنهم مسلمون، ولأنهم أبناء تلك الأرض التي أرادت القوى الكبرى تفتيتها طائفيًا وعرقيًا.
الكُرد.. الضحية التي نُسيت وتحوّل بعضها إلى بوق للمعتدي
في مشهد يُجسد قمة المفارقة، يقف اليوم بعض من الكرد—عن جهل أو تحت تأثير البروباغندا—ليبكوا على ضحايا ما يسمونه "الإبادة الأرمنية"، في حين أن أجدادهم كانوا أبرز الضحايا الحقيقيين لتلك الجرائم.كيف يُعقل أن يُنسى قتل مئات الآلاف من الكرد، أن تُنسى القرى المحروقة والمجازر الجماعية التي ارتُكبت في ديار بكر، وبدليس، ووان، وأرضروم؟ كيف انقلبت المعادلة ليصبح القاتل ضحية، والضحية قاتلًا؟!
إن أغبى كردي—ولا نقول ذلك إلا توصيفًا لحالة نكران الذات والتاريخ—هو من ينسى ما جرى عام 1915، ويُصفق لرواية مزيفة كُتبت على طاولات المستعمرين الذين سعوا لإضعاف الجبهة الإسلامية في الأناضول عبر زرع الفتن العرقية والطائفية.
من العبث اليوم أن يأتي بعضهم ليمسح دماء أجداده من الذاكرة، ويقدم الاعتذار للقاتل!
الكرد.. الضحية المنسية في مسرحية “الإبادة”
هل كُتب التاريخ على مقاس المستعمر؟
إن تحويل الأرمن إلى "ضحية مطلقة" لم يكن فعلًا بريئًا، بل كان جزءًا من هندسة استعمارية هدفها تمزيق الشرق الإسلامي، وخلق بؤر صراع دائم.
فرنسا وروسيا دعمتا الميلشيات الأرمنية بالسلاح والتدريب، ودفعتاها للتمرد من داخل الأراضي العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، في خيانة موثقة.ثم جاءت قوى غربية بعد الحرب، لتغسل يد الأرمن من دماء المسلمين، وتحوّل الجلاد إلى ضحية، بحجة "الحق في تقرير المصير".
التاريخ لا يُكتب بالدموع.. بل بالوثائق
لقد آن الأوان لأن يُراجع العالم هذه الرواية المشوهة، بعيدًا عن النفاق السياسي والضغوط الإعلامية.ما جرى في 1915 كان مأساة كبرى، كان المسلمون هم من دفعوا الثمن الأكبر، بلا نُصب تذكارية، ولا اعتراف، ولا حتى اعتذار والأرمن لم يكونوا ضحايا فحسب، بل كانوا أيضًا جناة ومجرمون وشركاء مباشرين في واحدة من أبشع موجات العنف العرقي والجريمة والمجزرة المنظمة التي شهدها القرن العشرين بحق المسلمون الأبرياء .ليس المطلوب تبرير أخطاء الدولة العثمانية أو إنكار ما تعرض له أي طرف، لكن من غير المقبول أن تتحول الضحية الحقيقية إلى جلاد في كتب التاريخ، والعكس بالعكس.
24 نيسان ليس يومًا لذكرى “إبادة الأرمن”، بل هو ذكرى بداية تزييف التاريخ، وسرقة دماء مئات الآلاف من الأبرياء من ذاكرة الشرق.
هو ذكرى يجب أن تُستعاد فيها الحقيقة، لا أن يُكرّس فيها الكذب السياسي.
بقلم :الدكتور مختار فاتح بي ديلي