مؤخراً، وافقت لجنة التخطيط والميزانية في برلمان تركيا على مشروع القانون الذي يهدف إلى تعزيز العدالة والكفاءة في نظام الضرائب وتعديل قوانينها.
من جانبه، أعلن وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، أن الحكومة قد أعدت حزمة ضرائب جديدة ترتكز على مبدأ "زيادة الضرائب على ذوي الدخل الأعلى وتقليلها على ذوي الدخل المنخفض".
وأضاف الوزير أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز العدالة الضريبية وضمان مشاركة الجميع في تحمل الأعباء المالية للدولة، وبالتالي دعم الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد.
بموجب القانون الجديد سيتم:
- تعزيز جهود مكافحة الأنشطة غير الرسمية من خلال فرض غرامات صارمة، وسيتولى أكثر من 4 آلاف مراقب ضريبي مهام التفتيش على مدى العام لضمان الالتزام.
- رفع الحد الأدنى للمعاش التقاعدي إلى 12 ألفا و500 ليرة تركية (حوالي 380 دولارا)، من 10 آلاف ليرة (حوالي 300 دولار).
- تعديل الحد الأدنى لضريبة الشركات، حيث ستُفرض ضريبة بنسبة 10% على الشركات المحلية، في حين ستُفرض ضريبة بنسبة 15% على أرباح الشركات الدولية من أنشطتها في تركيا.
- من المقرر أن تُعفى الشركات الجديدة من الضرائب لمدة 3 سنوات، مع الحفاظ على حقوق الحاصلين على شهادات حوافز استثمارية.
- ستُفرض ضريبة بنسبة 30% على أرباح الاستثمارات الكبيرة وأرباح مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في حين ستقتصر الإعفاءات في المناطق الحرة على إيرادات الصادرات فقط.
استثناءات لذوي الدخل المنخفض
وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "الجزيرة نت"، عن المحلل الاقتصادي بلال بغيش قوله إن التنظيم المتعلق بسياسات الضرائب كان خطوة ضرورية لتحقيق التوازنات المالية، ودعم الجانب المالي لمكافحة التضخم، واستكمال جانب الإيرادات، ودعم حزمة التوفير الأخيرة.
وأوضح بغيش أن تطبيقات الحد الأدنى للضرائب المؤسسية في الداخل والخارج تهدف إلى تحقيق الاستدامة في توازن الموازنة، مشيرا إلى أن التوازنات المالية، وخاصة نفقات التعافي من آثار الزلزال والدعم الاجتماعي والاقتصاد غير الرسمي وانخفاض الإيرادات الضريبية، بدأت تظهر عجزا كبيرا مؤخرا.
ورأى أنه كان من الضروري تصحيح هذا الوضع لتحقيق الاستدامة المالية، إذ من المتوقع أن يصل عجز الموازنة إلى 2.7 تريليون ليرة (81.9 مليار دولار) في عام 2024.
وأشار بغيش إلى أن الحزمة الضريبية الجديدة تهدف إلى دعم السياسات النقدية الصارمة التي تم تنفيذها في العام الماضي لمكافحة التضخم، إذ إن الإجراءات المالية التقشفية ستتعزز من خلال تنظيم الضرائب.
وأوضح أن الزيادة في الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، ستؤثر على الأسعار، لكن لن يكون لها تأثير مباشر، بل ستؤدي إلى تقليل الطلب المحلي الذي كان له تأثير كبير على النمو والتضخم مؤخرا، مما يعزز الإيرادات الإضافية للميزانية.
وشدد على أن الضرائب المفروضة على ذوي الدخل المنخفض استُثنيت من هذه التنظيمات وزيادات الضرائب، مؤكدا أن الهدف من هذه الخطوة هو حماية الفئات الأقل دخلا من الأعباء الضريبية الإضافية.
ضرائب جديدة
ويستعد الحزب الحاكم للإعلان عن تفاصيل الحزمة الضريبية الثانية التي تستهدف قطاع العقارات، وفق تقارير وسائل الإعلام التركية.
وتشمل هذه الحزمة الضريبية:
- فرض ضريبة عقارية إضافية على من يملكون منزلين أو أكثر، إذ ستتصاعد قيمة الضريبة مع زيادة عدد العقارات المملوكة.
- سيتم فرض ضريبة على 600 ألف منزل فارغ في تركيا، بهدف تحفيز الملاك على تأجيرها بدلا من إبقائها غير مشغولة.
- سيواجه من يبيعون منازلهم خلال 3 سنوات من الشراء ضريبة مضاعفة، بينما ستفرض ضريبة بزيادة مرة واحدة على من يبيعون خلال 5 سنوات.
يشار إلى أن مبيعات المنازل في تركيا تراجعت 5.2% في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، بينما انخفضت مبيعات المنازل للأجانب بنسبة 45.1%.
أبرز التداعيات
وفي تصريحاته الأخيرة، أشار وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، إلى أن تركيا هي الدولة الثانية التي لديها أدنى عبء ضريبي بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ بلغت نسبة الضرائب المحصلة في تركيا إلى الدخل القومي 20.8% مقارنة مع 34% في دول المنظمة الأخرى و41.2% في دول الاتحاد الأوروبي.
وتعرض مشروع القرار لانتقادات واسعة من المواطنين وأحزاب المعارضة، معتبرين أنه على الرغم من توجه المشروع نحو تحصيل الضرائب من أصحاب رؤوس الأموال والأغنياء، فإن الأعباء المالية ستنعكس في النهاية على المواطنين العاديين من خلال ارتفاع أسعار السلع.
وقال المحلل الاقتصادي فريد كايا للجزيرة نت إن النموذج الاقتصادي الجديد، المعروف لدى البعض بـ"الاقتصاد الانتخابي"، الذي تم تنفيذه خلال العامين الماضيين، إضافة إلى كارثة الزلزال المأساوية جعلت من الضروري فرض زيادات ضريبية.
وأوضح كايا أن انقطاع العلاقة السببية بين الواقع الاقتصادي والنتائج السياسية في البلاد، وبعد مرور فترة طويلة على الانتخابات الرئاسية والمحلية، اكتسبت الإدارة الاقتصادية قدرة كبيرة على اتخاذ قرارات جريئة.
ومن المتوقع أن تتبنى الإدارة موقفا متشددا في كل من السياسة النقدية والمالية حتى نهاية الربع الثاني من عام 2024.
وأضاف كايا أن تباطؤ زيادة الأجور وارتفاع الضرائب قد يؤديان إلى تقليص الطلب، مما يشير إلى نهاية فترة النمو التضخمي، وأنه يجب نسيان الأرباح والدوران التضخمي الذي شهدناه في السابق.
وفي الوقت ذاته، يعتقد كايا أن الحزم الضريبية لن تؤثر سلبا على الاستثمارات الأجنبية، إذ ستساهم في مكافحة التضخم واستقرار سعر صرف الليرة على المدى الطويل، مما سيجعل السوق التركي أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، ويعيد الثقة التي عهدوها في السابق.