أعلنت وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية عن تعديلات جديدة على معايير تقييم تصاريح العمل للأجانب، مستثنية السوريين من استصدار تصاريح عمل في بعض المهن، والتي يتوقع أن يستفيد منها نحو 200 ألف عامل سوري فضلا عن 950 ألف عامل سوري حاصلين بالفعل على تصاريح، في الوقت الذي رفضها أكبر أحزاب المعارضة وهو حزب الشعب معتبرا إياها محاباة للسوريين ومطالبا بعودتهم إلى وطنهم سورية.
وينتظر أكثر من 200 ألف عامل سوري غير مسجل بالتأمينات وغير حاصل على إذن عمل، تنفيذ قرارات وزارة العمل ليعملوا بعيداً عن الملاحقات وحتى عن استغلال أصحاب الورش والمنشآت الذين، بحسب ما قال عامل لـ”العربي الجديد” يساومون العمال السوريين بتدني الأجر مقابل العمل بدون إذن وتصريح. وبدخول التعديلات الجديدة حيز التنفيذ، سيتمكن السوريون من العمل في قطاعات عديدة من دون الحاجة للحصول على تصاريح عمل تقليدية مثل الصناعة والنجارة والدهان، بينما لا تزال المهن الأخرى مثل العمل في قطاع البناء تتطلب تصريح عمل.
دور اللاجئين السوريين في دعم الاقتصاد التركي
ويرى رئيس الجالية السورية في تركيا، نزار خراط أن “للعمالة السورية دورا كبيرا بتسريع وتيرة العمل والنمو، لأن معظمهم يعمل بقطاعات إنتاجية، زراعية وصناعية”، مشيراً إلى أن “حملة ملاحقة السوريين، خلال الأشهر الأخيرة أثرت على الإنتاج” مستدلاً بالتقارير التي أكدت أن المحال في منطقة إيجة تعاني من نقص من المنتجات والسلع، لأن “ملاحقة السوريين وبقاءهم في منازلهم، أديا إلى تراجع الإنتاج”.
ويعتبر خراط خلال تصريح لـ”العربي الجديد” أن “التعديلات متأخرة جداً، وربما لولا تراجع العمالة بقطاع الإنتاج واشتداد الحملة على السوريين، لما أصدرت الوزارة هذه التسهيلات”، مبيناً أنه وحتى اليوم، “يتقاضى العمال السوريون أجوراً أقل من الأتراك في حين أنهم يقومون بأعمال مجهدة في قطاعات الإنشاءات والزراعة، ولساعات أطول من التي حددتها وزارة العمل”.
وهو ما أكده العامل السوري بلال حسين لـ”العربي الجديد” بقوله “نعمل لثماني ساعات وبالحد الأدنى للأجور”، مبيناً أن “الأتراك لا يعملون بالحد الأدنى للأجور، كما أن معظم العمالة السورية محرومة من التأمينات والطبابة، لأنهم غير مسجلين لدى وزارة العمل ويتم استغلالهم”، بحسب حسين، لأنهم “يسعون للعمل كي يسدوا نفقات المعيشة المرتفعة، حيث تضاعفت إيجارات المنازل وأسعار المنتجات والسلع ولا يزال أجرنا 17 ألف ليرة تركية”.
بالمقابل، يقول المحلل التركي، إسلام أوزكان إن ” العمالة السورية، بالقطاع الزراعي والورش الصناعية على الأقل، دخلت سوق العمل التركي منذ عام 2012، وبعدها وبحكم المناخ الملائم والترحيب الحكومي، أقبلت رساميل سورية إلى مختلف الولايات، نتيجة التسهيلات، فوجدنا عمالة واستثمارات سورية في قطاعات النسيج والبناء والزراعة والصناعات التقليدية”، مشيراً إلى أن “عدد السوريين الحاصلين على تصريح عمل يبلغ 950 ألف عامل”.
ويلفت الأكاديمي والمحلل التركي لـ”العربي الجديد” إلى أن “السوريين وبعد زيادة اللجوء لتركيا، باتوا من أهم خزانات العمل والعمالة، منذ 2015 حتى نهاية 2018، ما أثر، بالتزامن مع العمل من دون تصاريح، إلى تشكيل مخاطر على الأسواق العمالية وعلى الصحة والقضايا الاجتماعية، ويؤدي إلى صعوبات كبيرة في تقديم الخدمات”.
ودعا إلى “ضرورة تقسيم القطاعات التي يتم التركيز عليها بواسطة السوريين المهاجرين إلى قسمين: القطاعات التي تتنافس فيها العمالة المهاجرة مع العمالة المحلية مثل النسيج والبناء، بينما تعتبر القطاعات مثل الزراعة والسياحة، وهي التي لا يفضل العمال المحليون العمل فيها أو لا يمتلكون المهارات اللازمة للعمل فيها”، مشيرا إلى أن “انسحاب العمالة المهاجرة من هذه القطاعات يمكن أن يتسبب في تداولات سلبية لهذه الصناعات وتأثيرات ضارة عليها”.
وكانت وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية، قد أعلنت أخيراً عن تعديلات جديدة على معايير تقييم تصاريح العمل للأجانب، في خطوة تقدّم تسهيلات كبيرة للعمالة الأجنبية، معتبرة أن الحصول على إذن العمل يمثل معضلة حقيقية للأجانب ولأصحاب الشركات في تركيا، إذ كانت المعايير الصارمة والتعقيدات البيروقراطية تشكل عقبة كبيرة أمام السير في الإجراءات القانونية بسلاسة.
تعديلات جوهرية في معايير تصاريح العمل للأجانب
وجاء إعلان وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية عن تعديلات جوهرية على معايير تقييم تصاريح العمل للأجانب، وفقا للمادة (22) من لائحة تنفيذ قانون العمل الدولي، والتي نشرتها في الصحيفة الرسمية منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وتضمنت التعديلات تخفيفا لشروط التوظيف والكفاءة المالية، وكان أحد أبرز هذه التعديلات إلغاء شرط توظيف خمسة مواطنين أتراك مقابل كل عامل أجنبي في المؤسسات التي تحقق مبيعات سنوية صافية تبلغ 50 مليون ليرة تركية (حوالي 1.47 مليون دولار) أو أكثر، مما منح الشركات الكبيرة مرونة أكبر في توظيف العمالة الأجنبية، خاصة تلك التي تعتمد على المهارات النادرة.
وعدّلت الوزارة معيار الكفاءة المالية ليصبح أكثر مرونة، إذ كانت تشترط أن يكون رأس المال المدفوع للمؤسسات 500 ألف ليرة تركية (حوالي 14 ألفا و700 دولار) أو أن تبلغ مبيعاتها السنوية 8 ملايين ليرة (حوالي 235 ألف دولار)، أو أن تحقق صادرات بقيمة 150 ألف دولار سنويا على الأقل لتوظيف عمال أجانب. بينما ستكتفي التسهيلات الجديدة برأس مال مدفوع بقيمة 100 ألف ليرة تركية (حوالي 2940 دولارا) أو مبيعات بقيمة 800 ألف ليرة (حوالي 23 ألفا و500 دولار) حتى الأول من يناير/كانون الثاني 2025.
كما أعفت التعديلات الأجانب المقيمين في تركيا لمدة ثلاث سنوات على الأقل، في آخر خمس سنوات، باستثناء الطلاب، من معايير التوظيف والكفاءة المالية، بحد أقصى ثلاثة عمال أجانب لكل مكان عمل. ومع ذلك، اشترطت ألا يتجاوز عدد العمال الأجانب عدد العمال الأتراك في المؤسسة، وبموجب اللائحة الجديدة سيتمكن الحاصلون على “الحماية المؤقتة” و”الإقامة الإنسانية” من الاستفادة من التسهيلات الجديدة والحصول على تصريح العمل، بمن فيهم الصحافيون الأجانب بعد حصولهم على موافقة دائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
وتشير البيانات الصادرة عن وزارة العمل التركية، تقدم 316 ألفا و365 أجنبيا بطلبات للحصول على إذن عمل خلال عام 2023، ومن بين هذه الطلبات، وافقت الوزارة على 239 ألفا و835 طلبا، مما يعني أن 19.48% من الطلبات تم رفضها لأسباب تتعلق بعدم استيفائها للمعايير المطلوبة. ويتصدر السوريون قائمة الأجانب الحاصلين على تصاريح عمل في تركيا، بعدد 108 آلاف و520 شخصا، وهو ما يعكس الحضور البارز للعمالة السورية في تركيا. في حين تأتي روسيا في المرتبة الثانية بـ17 ألفا و785 شخصا، تليها تركمانستان بـ13 ألفا و128 شخصا، وتشارك إيران في هذا التصنيف بعدد 8 آلاف و521 شخصا.