أخبار السوريين في المهجر

لهذه الأسباب لم يعد السوريين من تركيا رغم سقوط نظام الأسد

لم تغادر أعداد كبيرة من السوريين تركيا إلى بلادهم كما كان متوقعاً، إذ يفضل البعض انتظار الاستقرار، أو تأمين المستلزمات المعيشية، أو إنهاء العام الدراسي، أو الحصول على الجنسية التركية وغيرها.

لهذه الأسباب لم يعد السوريين من تركيا رغم سقوط نظام الأسد
04-03-2025 14:48

أحدثت أرقام السوريين العائدين من تركيا إلى بلادهم، بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مفاجأة لدى الأتراك وحتى عدد من السوريين. إذ يرى البعض أن زوال الحكم الاستبدادي وانتهاء ملاحقتهم سيدفعهم إلى التدفق جماعات نحو المنافذ الحدودية. لكن أسباباً عدة حالت دون العودة السريعة، وإن بقيت الآمال بعودة مليون سوري، كما يقول أتراك، في المستقبل القريب، في ظل المزايا والتسهيلات المقدمة إلى من يرغب في العودة الطوعية.
تربط السورية غصون إبراهيم (28 سنة) عودتها بأمرين: الأول انتهاء العام الدراسي كي لا يخسر ولداها عامهما وتعليمهما، والثاني انتهاء ترميم منزلها في ريف إدلب الشرقي. تقول إنها تضطر وزوجها إلى “ضبط النفقات والعمل بدوام إضافي” ليتمكنا من تأمين مستلزمات ترميم البيت. وفي حال عدم توفر المال، قد لا تتمكن من العودة هذا العام.
حسين نايف (32 سنة)، من ريف حلب، ربط بدوره العودة بتأمين مبلغ من المال يمكنه من تجهيز المنزل وبدء العمل، “ولو داخل دكان صغير”، معتبراً أن غياب أكثر من عشر سنوات لا بد أن تكلل بعودة مقبولة بين “أهلي وناسي على الأقل”، معتبراً أن بدء خفض بدل إيجار المنازل وتراجع أسعار السلع والمنتجات في تركيا قد يساهمان في الادخار وجمع “مبلغ معقول” يمكنه من العيش في سورية من دون الحاجة إلى أحد.
من جهته، يقول السوري خالد محمد (55 سنة) المقيم في إسطنبول، إن الأوضاع السياسية والاقتصادية “لا تزال غير واضحة”، ولا بد من الانتظار وعدم المجازفة بالعمل وتعليم الأولاد. يضيف: “الوضع في تركيا جيد جداً بعد تراجع العنصرية في مقابل تسابق أحزاب المعارضة على مغازلة سورية الجديدة”. ولا يخفي مخاوفه من “عدم تحسن الوضع في سورية؛ فالقلق بحسب ما نقرأ ونسمع هو الحالة العامة المسيطرة على الشارع السوري”، معتبراً أن سقوط نظام الأسد هو “الإنجاز الأكبر، لكن يلزمه تتمات معيشية لائقة ومناخ اجتماعي وسياسي صحي. وإن لم يتحقق الأمر، فسيبقى محمد في تركيا معتمداً على عمله البسيط وعمل ابنه الأكبر، ما “يكفينا لتأمين نفقاتنا المعيشية والعيش بحرية مع توفر الخدمات والقدرة على تعليم أولادي الصغار”.

يربط سوريون في تركيا العودة إلى بلادهم بانتهاء السنة الدراسية

ما من خطر يهدّد المجنسين في تركيا؛ فجلّهم بات مرتبطاً بأعمال تؤمن لهم دخلاً كافياً، فضلاً عن تمتعهم بكامل الحقوق كشراء منزل والتنقل والسفر ضمن تركيا وخارجها. في هذا الإطار، يقول محمد الحسين (43 سنة) القاطن في ولاية هاتاي جنوبي تركيا، إن العودة “غير ملحة”. الحسين الذي يعمل في منظمة إغاثية دولية، يقول إن قرار العودة قبل تأمين دراسة الأولاد ومنزل وعمل لائق داخل سورية يعتبر “مجازفة غير محمودة النتائج”، مضيفاً: “هذا لا يعني أنني لن أعود أبداً أو لن أذهب في زيارات كل فترة. لكن في الوقت نفسه، لا يمكنني خسارة عملي في ظل واقع غير محدد الملامح”.

أما السوري محمود، المقيم في إسطنبول، فقد ربط عودته إلى سورية بالحصول على الجنسية التركية، وهو الذي بات في المرحلة الرابعة في نظام التجنيس، بعد تجنيس زوجته وأولاده. ولا يريد أن يفارق أسرته أو يجازف بخسارة الجنسية، قائلاً: “ذهابي يعني عدم العودة ثانية لأنني أحمل بطاقة الحماية المؤقتة، الكيملك”.
في المقابل، توجه سوريون ممن حصلوا على الجنسية التركية إلى سورية ليلة سقوط النظام عبر الأردن ولبنان، إذ إن الحدود البرية لا تسمح بمغادرة الحاصل على الجنسية حتى الآن. بعض هؤلاء أرادوا الاحتفال بانتصار الثورة، كحال عبد الرحمن (32 سنة)، الذي بدأ تأسيس عمله في مدينة حلب. ويقول: “لن أعود إلى تركيا إلا زائراً”.
عاد الكثير من السوريين الأتراك لتأسيس أعمال أو “المساهمة ببناء سورية”، كما يقول أنيس من ريف إدلب الشرقي، لأن البلاد بحاجة إلى جميع الطاقات والتخصصات، متوقعاً خلال تصريحه لـ”العربي الجديد” أن يحيي السوريون الأتراك الاقتصاد والتعليم في البلاد، بعد اكتسابهم الخبرة وجمعهم بعض الأموال.
بعد سقوط نظام الأسد، شاعت في أوساط السوريين أن نظام الحماية المؤقت “سيُلغى في تركيا”، إذ ما من مبرر قانوني له بعد زوال الخطر وتحوّل سورية إلى بلد آمن، ما يعني إلغاء بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك” من دون أن تجبر تركيا اللاجئين على العودة. لكن نظام الإقامة سيتغير من لاجئ يحمل بطاقة حماية، إلى سوري يحمل إقامة سياحية تجدد سنوياً.
ويقول العامل في قطاع التجارة، صافي درويش: “ننتظر البت في الموضوع. فإذا استمرت بطاقة الحماية سأبقى ريثما أتدبر أموري. أما في حال حصولنا على إقامة سياحية، سأغادر تركيا، لأن كلفة الإقامة السياحية سنوياً تصل إلى نحو 1500 دولار، ونحن أربعة أشخاص”.

إلا أن الرئاسة التركية نفت تحويل السوريين من الحماية المؤقتة إلى الإقامة قصيرة الأمد. وأكد مركز مكافحة التضليل (DMM) التابع لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عدم صحة الادعاءات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول تحويل السوريين من الحماية المؤقتة إلى إقامة قصيرة الأمد. وأوضح المركز، في بيان رسمي، أن الادعاء أن “السوريين يُحوَّلون من الحماية المؤقتة إلى الإقامة القصيرة لمنعهم من العودة الطوعية” غير صحيح. وأكد أن الحماية المؤقتة في تركيا لا تمنح حاملها حق الانتقال إلى الإقامة قصيرة الأمد، وهو ما وُضِّح في قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458.
ويرى رئيس تجمع المحامين الأحرار بتركيا، غزوان قرنفل، أن عدد العائدين حتى اليوم “منطقي” لأن كثيرين مرتبطون بأعمالهم ومدارس أولادهم، وآخرون ينتظرون الجنسية التركية، متوقعاً زيادة عودة السوريين من تركيا بعد انتهاء العام الدراسي وحلول فصل الصيف ووضوح الواقعين المعيشي والسياسي في سورية بشكل أكبر. ويلفت في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “عودة السوري غير الحاصل على الجنسية في تركيا أو أي من الدول الأوروبية تعني إلغاء مبرر لجوئه أو حمايته مؤقتاً، وهذا سبب آخر مهم. ربما بعد الحصول على الجنسية، سنرى عودة بأعداد كبيرة”.
وحول قانونية بقاء السوريين في تركيا وفق “قانون الحماية المؤقتة” وإلزام من يبقى بإقامة سياحية، يوضح قرنفل لـ”العربي الجديد” أن تركيا ذاهبة للحظة إعلان انتهاء الحماية المؤقتة، لأن قانون الحماية يتيح للسلطة التنفيذية التي شرعت القانون أن تعلن بقرار رسمي، حين ترى انتفاء شروط الحماية، “انتهاء حالة الحماية”، ما يعني فقدان السوريين الوضع القانوني، وبالتالي يكون أمامهم مهلة للمغادرة أو تكييف بقائهم مع صيغة قانونية. ويلفت إلى أن تركيا قبل إعلانها المتوقع، تسهّل كثيراً شروط العودة الطوعية على الحدود، منها نقل مفروشات المنازل وموجوداتها وإدخال سيارات وغير ذلك.
ويحذر من سوء فهم “الزيارة الطوعية لرب الأسرة”، لأن قبولها ودخول سورية يعني عودة الأسرة إلى سورية في غضون ستة أشهر.
وفي ما يتعلق بتكييف الوضع القانوني بدلاً من الكيملك، يرى قرنفل أن تركيا يمكن أن تتساهل من خلال منح إقامة لعام، ولكن “أزعم وجراء خبرتي بقضايا اللاجئين، ألّا يزيد التساهل على عام، على أن يُلزَم بعد ذلك حمَلة تلك الإقامة بتحويلها إلى إقامة عمل. وفي حال العجز، يتوجب على هؤلاء المغادرة.

وغالباً ما يربط السوريون في تركيا تأخرهم بالعودة إلى سورية أو عدم العودة، بتعليم الأولاد، الذين التحقوا بالمدارس التركية جراء إلزامية الاندماج التي اعتمدتها تركيا قبل خمسة أعوام. فالعودة بالنسبة إلى التلاميذ تعني نسف تعليمهم بعدما درسوا فيها ما بين خمسة وعشرة أعوام. ويأمل البعض افتتاح مدارس وجامعات باللغة التركية في سورية، لأن عودة أولادهم للدراسة باللغة العربية أمر صعب جداً، وخصوصاً بالنسبة إلى الذين باتوا في المرحلة الثانوية.
ويبلغ عدد الأطفال السوريين في سنّ التعليم في تركيا، بحسب بيانات وزارة التعليم التركية، مليوناً و30 ألف طالب، إلا أن 65% فقط منهم يتلقون تعليماً مدرسياً، ما يعادل حوالى 730 ألف طالب، فيما يبقى أكثر من 400 ألف طفل خارج إطار التعليم المدرسي.
وبعد العودة الطوعية، قال وزير الداخلية التركية، علي يرلي كاي، إن “عدد السوريين المسجلين تحت الحماية المؤقتة في تركيا تراجع إلى مليونين و935 ألفاً و742 شخصاً”، وهو أول انخفاض إلى ما دون حاجز الثلاثة ملايين منذ بدء اللجوء السوري إلى تركيا. وأوضح أن هذا التراجع جاء بعد تحرير سورية وعمليات مكثفة للتحقق من عناوين الإقامة، التي كشفت عن عدم تحديث عناوين 731 ألفاً و146 سورياً. ونتيجة لذلك، بادر 580 ألفاً و819 سورياً إلى تحديث بياناتهم أو حجز مواعيد لتحديثها في المراكز المختصة.
وأعلن والي غازي عنتاب، كمال تشبر، انخفاض عدد السوريين في الولاية إلى 370 ألفاً بعدما كان 470 ألفاً في وقت سابق، مشيراً إلى أن عودة السوريين إلى بلادهم مستمرة دون توقف منذ سقوط بشار الأسد. في المقابل، توافقت السلطات التركية والمعابر الحدودية المشتركة، على أن عدد العائدين من عموم الولايات التركية وليس من غازي عنتاب فقط هو 100 ألف سوري، بحسب وكالتي “الأناضول” التركية و”سانا”، وهو ما أكده مدير العلاقات العامة في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش.
وقال علوش إنه خلال شهرين من تحرير سورية من النظام البائد، استقبلت المنافذ الحدودية مع تركيا 100 ألف و905 مواطنين من أهلنا السوريين العائدين للاستقرار النهائي في وطنهم. وبيّن أن العائدين توزعوا على معبر باب الهوى بنحو 49 ألفاً و485 مواطناً، ومعبر السلامة بـ 35 ألفاً و834 مواطناً، ومعبر كسب بـ 7 آلاف و644 مواطناً، ومعبر الحمام بـ 5 آلاف و504 مواطنين، ومعبر جرابلس بـ 2438 مواطناً”.

وفي ما يتعلق بالعائدين من المعابر غير التركية، قال علوش في تصريحات صحافية: “خلال شهرين من تحرير سورية من النظام البائد، استقبل معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان 627 ألفاً و287 مسافراً من المواطنين السوريين والضيوف العرب والأجانب، توزعوا على 339 ألفاً و18 قادماً، و288 ألفاً و269 مغادراً، كذلك استقبل المعبر مئات الوفود الصحافية والدبلوماسية والإغاثية، وقُدِّمَت إليهم كل التسهيلات”.
وأضاف علوش أنه “خلال الفترة ذاتها، استقبل معبر نصيب الحدودي مع الأردن 174 ألفاً و241 مسافراً من المواطنين السوريين والضيوف العرب والأجانب، توزعوا على 109 و837 قادماً، و64 ألفاً و404 مغادرين، واستقبل المعبر عشرات الوفود الصحافية والدبلوماسية، وقُدِّمَت إليهم التسهيلات اللازمة”.
وبيّن أن “معبر البوكمال الحدودي مع العراق، استقبل 5 آلاف و460 مواطناً من السوريين المقيمين في العراق والعائدين للاستقرار النهائي في وطنهم سورية. وسهّلت إدارة المعبر عبور العشرات من المواطنين العراقيين واللبنانيين، مع تقديم كل التسهيلات لضمان رحلة عبور آمنة وسلسة لهم”. وأكد أن “كوادرنا تعمل في جميع المنافذ الحدودية للجمهورية العربية السورية بأقصى جهدها لضمان تقديم أفضل الخدمات إلى أهلنا السوريين العائدين إلى وطنهم، ولضيوفنا من الأشقاء العرب والأجانب الراغبين في زيارة سورية”.
وسبق لممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سورية، غونزالو فارغاس يوسا، أن أعلن أن 270 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر. يشار إلى أن أكثر من 13 مليون سوري غادروا بلداتهم ومدنهم قسراً بسبب الحرب، وقد بلغ العدد الإجمالي للنازحين داخلياً 7.2 ملايين، و6.5 ملايين لاجئ وطالب لجوء في دول مختلفة.

SİZİN DÜŞÜNCELERİNİZ?
BUNLAR DA İLGİNİZİ ÇEKEBİLİR
ÇOK OKUNAN HABERLER