إبان العهد العثماني، انتشر الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية التي حرص المسلمون على أدائها خلال شهر رمضان المبارك، ومنها سداد ديون السكان الفقراء في الأحياء، وهو تقليد معروف باسم “شطب دفتر الذمم”، أو ما يسمى اليوم “دفتر الديون”.
وفي حديث للأناضول، أشار عميد كلية الإعلام في جامعة “ميديبول” التركية، الأستاذ علي بويوك أصلان، إلى أهمية التقاليد الرمضانية المترسخة في المجتمع التركي خلال العهدين العثماني والسلجوقي.
وأكّد بويوك أصلان على أهمية نقل تلك التقاليد الرمضانية “الهامّة والأصيلة” إلى الأجيال القادمة للمحافظة على استمرارها.
وذكر الأكاديمي التركي أنه “خلال شهر رمضان، يتشكل على نحو عفوي مناخ اجتماعي يسوده التعاون ومساعدة المحتاجين، وفق الحديث (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)”، كناية عن الإنفاق والتصدق في الخفاء.
وبخصوص تقليد “شطب دفتر الذمم”، قال بويوك أصلان: “من خلال هذا التقليد، يقوم أحد التجار بشطب ديون الأسر الفقيرة والمتعففة في دفاتر الذمم (دفاتر الديون) الموجودة لدى محلات البقالة” في الحي.
وأضاف: “في الحقيقة، لا أحد يعرف من دفع تلك الديون ومن هي العائلات التي دفع دينها”.
وأردف أن “تقليد شطب دفتر الذمم ازدهر وانتشر في عهد الدولة العثمانية وما يزال مستمرًا حتى اليوم، كواحد من التقاليد الهامة التي تظهر أهمية إعلاء روح التضامن والتعاضد داخل المجتمع، حيث يمد الأغنياء يد العون للفقراء”.
** حماية المستهلك
وذكر بويوك أصلان أن العهد العثماني شهد تعاضدا اجتماعيا قويا ضد تقلبات الأسعار خلال شهر رمضان.
وقال: “خلال العهد العثماني كان يتم تسجيل الأسعار في دفاتر خاصة تعرف باسم “نرخ دفترلري” (دفاتر الأسعار) لحماية المستهلك من أي تقلبات في الأسعار خلال شهر رمضان”.
وتابع: “كان موظفو الدولة يجوبون الأسواق متنكرين بملابس العامة لمراقبة التزام السوق بالأسعار المحددة، وعدم السماح لبعض التجار باللعب بقوت الشعب واحتياجات العامة”.
وأشار بويوك أصلان إلى تقليد صلاة التراويح بالطريقة الأندرونية، والتي يتم فيها قراءة القرآن الكريم بتلاوات مختلفة.
وأضاف: “تحرص العائلات على تعويد الأطفال على أداء صلاة التراويح خلال شهر رمضان، في تقليد لم يكن موجودا في عهد الدولة العثمانية فحسب، بل في عهد الدولة السلجوقية أيضًا”.
وتحدث عن تقليد عثماني يسمى بـ “إيجار الأسنان”، حيث يترك الأثرياء أبوابهم مفتوحة لاستقبال الفقراء على مائدة الإفطار.
وخلال الإفطار، يتم توزيع هدايا متنوعة تحوي أحيانا أكياسا صغيرة من العملات الفضية أو الذهبية على الضيوف المعوزين وتسمى “إيجار الأسنان”.
** أعمال خيرية
أدرك السلاجقة والعثمانيون بركة وفضائل شهر رمضان وتركوا للأجيال اللاحقة تقاليد رمضانية تشدّ من عرى المجتمع وتقوّي شكيمته.
وأكّد الأكاديمي بويوك أصلان على أهمية غرس قيم التقاليد الرمضانية في نفوس الأطفال والشباب، من أجل ضمان انتقالها إلى الأجيال القادمة.
وقال: “عشنا بركة الشهر الفضيل ضمن العائلة والمدارس. عشنا الأجواء الرمضانية العطرة في الأمس واليوم، ونحن مستعدون دائما لنقلها إلى أجيال الغد”.
وذكر بويوك أصلان أن “تركيا من أكثر الدول التي تقدم مساعدات إنسانية في العالم، حيث تهرع المنظمات التطوعية ومنظمات المجتمع المدني لمساعدة المنكوبين والمحتاجين دون تمييز على أساس خلفياتهم الدينية أو اللغوية أو العرقية”.
وأضاف: ” أرسل أجدادنا في الماضي من خلال المؤسسات الوقفية، مساعدات إنسانية إلى أيرلندا، التي كانت ترزح تحت وطأة حصارٍ بريطاني خانق، ونواصل اليوم دعم جميع المظلومين من خلال منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية”.