وفقاً للقرار الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في مدينة مونستر الألمانية الأسبوع الماضي، ولكن لم تعلن عنه إلا مساء الإثنين، فإن “طالبي اللجوء من سوريا لم يعودوا معرضين حالياً لخطر الحرب بشكل عام”. وعلى أساسه رفضت المحكمة استئنافاً تقدم به طالب لجوء سوري يعترض فيه على رفض منحه حق الحماية الفرعية”.
وقال متحدث باسم أعلى محكمة إدارية في ولاية شمال الراين إن “القرار الأول من نوعه من قبل محكمة عليا يتعارض مع الممارسة الحالية للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، الذي يمنح طالبي اللجوء السوريين بشكل عام حماية ثانوية كلاجئين من الحرب الأهلية”، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.
ومع ذلك، فإن تفاصيل القضية خاصة، فقد حُكم على السوري المنحدر من محافظة الحسكة، بالسجن في النمسا قبل سفره إلى ألمانيا لأنه كان متورطاً في تهريب أشخاص من تركيا إلى أوروبا. وذكرت المحكمة أنه لم يكن معرضاً لخطر الاضطهاد السياسي في سوريا، وبالتالي فهو مستبعد من الحصول على صفة اللاجئ، كما رفضت المحكمة منحه حق الحماية الثانوية بسبب الجرائم الجنائية التي ارتكبها قبل دخوله البلاد.
تجدد الدعوات إلى إنهاء منح الحماية الفرعية للاجئين
ويمنح المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا (BAMF)، حق “الحماية الفرعية” للأشخاص الذين لا يحصلون على حق اللجوء، لكن لا يمكنهم العودة إلى بلدهم الأصلي بسبب احتمال تعرضهم لوقوع ضرر جسيم هناك. لكن الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في مونستر، أثار جدلاً وتساؤلات تتجاوز القضية عن كونها حالة فردية، حيث تجددت الدعوات من قبل سياسيين إلى إنهاء منح الحماية الفرعية للاجئين.
ومؤخراً، طالب اتحاد البلديات الألمانية، و”الاتحاد المسيحي” بإنهاء وضع الحماية الفرعية للاجئين وإعادة تقييم الوضع في كل من سوريا وأفغانستان وتصنيف بعض المناطق على أنها آمنة، من أجل ترحيل طالبي اللجوء أو حاملي إقامة الحماية ومن لم يُمنح صفة اللجوء إلى تلك المناطق.
وعقب صدور الحكم، قال رئيس الحزب “الديمقراطي الحر” في ولاية شمال الراين، هينينغ هونه، إن “الحماية الفرعية للقادمين من سوريا لم تعد مناسبة”.
معتبراً أن “الحكم الصادر يعزز ثقة المواطنين في نظامنا القانوني ويؤكد على أن دولتنا الدستورية تعمل وتتكيف مع الحقائق الجديدة، مثل الوضع الحالي في سوريا”. وفق ما نقلت صحيفة (WAZ) الألمانية.
وزير الداخلية في ولاية بافاريا، يواخيم هيرمان من (الاتحاد المسيحي الاجتماعي) اعتبر أن “الحكم مهم جداً وربما يشير أيضاً إلى الطريق إلى الأمام، وبالتالي أصبح هناك حاجة الآن إلى تقييم جديد تماماً للوضع في سوريا”.
وقال هيرمان لقناة (فيلت) التلفزيونية الإخبارية: “لم تعد هناك حرب أهلية في سوريا، ولم يعد على الجميع عملياً الخوف على حياتهم كل يوم، ما يعني أنه لم يعد هناك سبب لمنح الحماية الفرعية تلقائياً لكل من يأتي من سوريا، وبالتالي يجب إلغاء الحماية الفرعية، وعندئذٍ يجب على هؤلاء الأشخاص مغادرة بلدنا مرة أخرى والعودة إلى بلدهم الأصلي”.
مطالبات بالترحيل إلى سوريا
حتى الآن لم ترحل ألمانيا أي لاجئ سوري إلى بلاده، إلا أن الحكم الصادر بشأن حالة واحدة فتح مجدداً باب المطالبات بالترحيل إلى سوريا. ومؤخراً، اتفق وزراء داخلية الولايات خلال مؤتمرهم في شهر حزيران الماضي، على “ضرورة ترحيل المجرمين الخطيرين والمتعاطفين مع الإرهاب إلى أفغانستان وسوريا مرة أخرى في المستقبل عبر التعاون مع الدول المجاورة”.
وأوضحت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) في ذلك الوقت في بوتسدام إنها تجري بالفعل محادثات مع عدة دول حول هذا الموضوع.
وقالت: “بالإضافة إلى توضيح المسائل العملية، فإنه من الضروري أيضاً إعادة تقييم الوضع في سوريا”. وأعربت عن ثقتها في أنها ستتمكن من حل هذه المسألة مع وزيرة الخارجية أنالينا بايربوك من (حزب الخضر) في المستقبل القريب.
وقال وزير العدل الاتحادي ماركو بوشمان (الحزب الديمقراطي الحر) يوم الثلاثاء بشأن العواقب المحتملة للحكم: “يجب أن نلقي نظرة فاحصة على من يمكن ترحيله إلى أي جزء من سوريا”.
وأضاف أنه “لم يعد من الممكن التعميم والقول إن الوضع الأمني هو نفسه في كل مكان في البلاد”. معتبراً أن قرار المحكمة “يمكن فهمه إذا افترضنا أن هناك الآن أيضاً مناطق في هذا البلد خطرة للغاية، ولكن هناك أيضاً مناطق أخرى لا يوجد فيها بالضرورة خطر على الحياة والأطراف”.
بدوره، دعا رئيس الحزب “الديمقراطي الحر” في ولاية شمال الراين، هينينغ هونه إلى ضرورة أن “يكون هناك المزيد من عمليات الترحيل إلى سوريا”. وطالب حكومة الولاية بأن “تلعب دورها في ذلك”.
أما وزير داخلية بافاريا، يواخيم هيرمان، فاعتبر أن “الأمر لا يتعلق فقط بترحيل المجرمين، فما يزال الكثير من اللاجئين يأتون من سوريا إلى ألمانيا كل شهر، لكن الوضع مختلف عما كان عليه قبل عشر سنوات، أو ست سنوات، فلم تعد هناك الحرب الأهلية التي كانت سائدة”. وطالب هيرمان، الحكومة الاتحادية بإجراء تقييم جديد للوضع في سوريا، “ووضع حد لاستمرار تدفق اللاجئين السوريين الجدد”.
هل يعني الحكم أن السوريين سيواجهون الترحيل في المستقبل؟
ورغم أن المحكمة أكدت أن “الهجمات والنزاعات المسلحة في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا عموماً ما تزال تحدث، إلا أنها اعتبرت أن “القتال هناك لم يعد يصل إلى مستوى يجعل المدنيين يتوقعون التعرض للقتل أو الإصابة”.
وهذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها محكمة مهمة كهذه قراراً كهذا بشأن الحماية الفرعية للسوريين. ما يثير مخاوف من أن تحذوا محاكم أخرى حذوها في المستقبل.
وكالة الأنباء الألمانية نقلت عن متحدث باسم وزارة الداخلية الاتحادية قوله عندما سئل عن الحكم الصادر في مونستر، إن “وزارة الداخلية والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين يجريان مراجعة مستمرة لممارسة اتخاذ القرار بناءً على المصادر المتاحة، وتشمل هذه المصادر، على وجه الخصوص، قرارات المحاكم، حيث تلعب قرارات المحاكم الإدارية العليا دوراً هاماً في هذا الصدد”.
منظمات حقوق الإنسان أعربت عن قلقها من الحكم، وأكدت منظمة العفو الدولية أن “الوضع في سوريا ما يزال كارثياً، والنزاع المسلح لم ينتهِ بعد، بل لا يزال محتدماً”. كما اعتبرت المتحدثة باسم السياسة القانونية في منظمة “برو أزول”، فيبكه جوديت أن “قرار المحكمة يتجاهل الوضع في سوريا”.
وقالت جوديت إن “المصادر ذات الصلة مثل تقرير وزارة الخارجية الألمانية ووكالة اللجوء الأوروبية يظهر أن “النزاع في سوريا ما يزال مستمراً، وبالإضافة إلى ذلك، لا يوجد عملياً أي شخص في مأمن من نظام التعذيب الذي يمارسه الديكتاتور بشار الأسد”.
ويخشى مجلس اللاجئين من أن يتسبب حكم قضاة المحكمة الإدارية العليا في مونستر في إثارة قلق كبير بين السوريين. حيث اعتبرت المديرة الإدارية لمجلس اللاجئين في ولاية شمال الراين بيرغيت ناويوكس أن “الحكم قاتل ومدمر”. وأعربت عن أملها بألا تتبع المحاكم الأخرى والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) مثل هذا التقييم.
حكومة ولاية شمال الراين حذرت يوم الثلاثاء من استخلاص استنتاجات متسرعة من الحكم الصادر عن محكمة مونستر. مشيرةً إلى أنه ليس من الممكن بعد تقييم ما إذا كان يمكن أن يؤثر على إجراءات اللجوء وما إذا كانت المحاكم الأخرى ستتبع هذا الحكم.
وقالت وزارة شؤون الأسرة في ولاية شمال الراين إن “الحكم لا يعني أن جميع السوريين المتضررين سيواجهون الترحيل قريباً، ولا يزال هذا يمنع فرض حظر على الترحيل في جميع أنحاء البلاد، وفي الواقع، فإن الترحيل إلى سوريا غير ممكن في الوقت الحالي”. وفق ما نقلت قناة غربي ألمانيا (WDR).
نجاح اندماج اللاجئين السوريين في سوق العمل
وفي الوقت نفسه، أظهرت دراسة نشرها معهد أبحاث التوظيف يوم الثلاثاء أن اللاجئين السوريين والعراقيين يندمجون بشكل جيد في سوق العمل الألماني، لكن جائحة فيروس كورونا أوقفت هذا التطور الإيجابي لفترة وجيزة فقط.
وبحسب الدراسة “فقد جرى مراقبة ما يقرب من 3500 لاجئ سوري وعراقي حصلوا على إعانات الضمان الاجتماعي بعد وصولهم إلى ألمانيا على مدى ست سنوات ابتداءً من عام 2016، وفي عام 2022، كان ما يقرب من 60 في المئة من اللاجئين يعملون في وظائف خاضعة لاشتراكات الضمان الاجتماعي، لكن انخفضت نسبة المستفيدين من الرعاية الاجتماعية بشكل مستمر من 70 في المئة عام 2016 إلى نحو 30 في المئة عام 2022”.
وقال مارتن روزمان، المتحدث باسم مجموعة العمل والشؤون الاجتماعية عن الحزب “الاشتراكي الديمقراطي” في البرلمان الألماني لصحيفة (تاز) إن “نتائج الدراسة مرضية للغاية، فهي تُظهر أننا نبلي بلاءً حسناً في دمج اللاجئين في سوق العمل وأنه يمكن تلبية جزء من الطلب على العمالة نتيجة لذلك”.