قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها، إن السوريين الفارين من العنف في لبنان يواجهون مخاطر القمع والاضطهاد على يد حكومة النظام عند عودتهم، بما يشمل الإخفاء القسري، والتعذيب، والوفاة أثناء الاحتجاز، ولفتت إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة ضد لبنان منذ أواخر سبتمبر/أيلول 2024 أجبرت مئات آلاف السوريين على الفرار عائدين إلى سوريا،
وبين المؤسسة أن السوريين الفارين من لبنان، وخصوصا الرجال، يواجهون خطر الاعتقال التعسفي والانتهاكات على يد السلطات السورية، وقد وثقت "هيومن رايتس ووتش" أربعة اعتقالات بحق أشخاص عائدين خلال هذه الفترة، بينما أفادت مجموعات أخرى، منها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، عن عشرات حالات الاعتقال الإضافية.
وفي العام 2024، توفي في ظروف مريبة رجلان سوريّان على الأقل كان قد تم ترحيلهما من لبنان وتركيا إلى سوريا في العام 2023 واحتجزتهما الحكومة السورية منذ حينها، بينما ما يزال اثنان آخران اعتُقلا في لبنان مخفيَّيْن قسرا منذ تسليمهما إلى السلطات السورية في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز، بحسب مصادر مطلعة.
وقال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "يُجبر السوريون الفارون من العنف في لبنان على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح. الوفيات المريبة للعائدين أثناء احتجازهم تسلّط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين والحاجة الملحة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا".
ولفتت إلى استمرار حكومة الأسد والجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من سوريا في منع المنظمات الإنسانية والمنظمات الحقوقية من الوصول الكامل وغير المقيد إلى جميع المناطق، بما يشمل مواقع الاحتجاز، ما يعيق جهود التوثيق ويحجب الحجم الحقيقي للانتهاكات.
وأجرت "هيومن رايتس ووتش" مقابلات مع ثلاثة سوريين في لبنان وثمانية سوريين عادوا إلى سوريا، وكذلك أقارب خمسة رجال اعتقلتهم السلطات السورية بعد عودتهم من لبنان في أكتوبر/تشرين الأول. كما أجرت مقابلات بشأن مصير المرحّلين مع باحثَيْن حقوقيَّيْن سوريَّيْن، بالإضافة إلى مقابلات مع أشخاص آخرين عدة، منهم أقارب المرحّلين.
من الاعتقالات الخمسة الأخيرة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول، وقع اعتقالان عند معبر الدبوسية الحدودي بين شمال لبنان وحمص، وفي إحدى الحوادث، اعتُقل شخصان عند حاجز بين حلب وإدلب. قال الأقارب إن جهاز "المخابرات العسكرية" السوري هو من نفذ جميع الاعتقالات، من دون تقديم أي معلومات إلى العائلات حول أسباب الاعتقالات أو مكان احتجاز المعتقلين.
ووفق المؤسسة، يزعم بعض القادة الأوروبيين بشكل متزايد أن سوريا آمنة للعودة، ما يحفّز سياسات قد تلغي الحماية الممنوحة للاجئين رغم استمرار المخاوف الأمنية والحقوقية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه في ظل شبكات المعلومات غير الموثوقة والمراقبة غير الكافية من قبل الوكالات الإنسانية، ينبغي للبلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين إدراك أن سوريا ما تزال غير آمنة للعودة وأن توقف فورا أي عمليات عودة قسرية أو بدون احترام الإجراءات الواجبة، أو أي خطة لتسهيل مثل هذه العودة.
وقالت إنخ ينبغي لمفوضية اللاجئين البقاء على موقفها المنشور في مارس/آذار 2021 والمتمثل في أن سوريا غير آمنة للعودة وأنها لن تشجع العودة أو تسهّلها حتى يتم ضمان الظروف الآمنة والكريمة. وبالإضافة إلى ذلك، انطلاقا من إطارها التشغيلي الإقليمي لعام 2019 لعودة اللاجئين إلى سوريا، ينبغي لها الدفع بشكل عاجل من أجل إنشاء آلية مستقلة وفعالة للحماية والرصد في سوريا تتمكن من خلالها المنظمات الإنسانية من رصد الانتهاكات الحقوقية بحق العائدين والإبلاغ عنها.
وأزصت الحكومات المانحة الدولية ؤتقديم الدعم المالي السخي وباقي أشكال الدعم للنازحين إلى سوريا، عليها ضمان أن البرامج الإنسانية في كل من سوريا والدول المضيفة لا تقدّم عن غير قصد حوافز للعودة قبل الأوان. كما ينبغي للدول التي فرضت عقوبات على سوريا، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا ودول "الاتحاد الأوروبي"، تنفيذ إعفاءات إنسانية شاملة لجميع عمليات المساعدة في سوريا لضمان الحصول على الخدمات الأساسية بدون قيود.
وقال كوغل: "سوريا ليست أكثر أمنا للعودة مقارنة بما كانت عليه من قبل، لكن المخاطر المتصاعدة في لبنان تجعل العديد من السوريين بلا مكان آخر يذهبون إليه، عودتهم ليست علامة على تحسن الظروف في سوريا، بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمنا ويجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه مخاطر الاعتقال والانتهاكات والموت".
وكانت أصدرت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" يوم الثلاثاء 29 تشرين الأول/أكتوبر، تقريرها حول اللاجئين السوريين العائدين من لبنان إلى سوريا، تحت عنوان "معاناة العودة: انتهاكات جسيمة تواجه اللاجئين السوريين العائدين من لبنان"، موضحة أنَّه تم اعتقال ما لا يقل عن 26 شخصاً، بينهم امرأة، وتعرض أحدهم للوفاة تحت التعذيب في مراكز احتجاز النظام السوري خلال الفترة من 23 أيلول/سبتمبر إلى 25 تشرين الأول/أكتوبر 2024.
أوضح التقرير، الذي جاء في 20 صفحة، أنَّ اللاجئين السوريين في لبنان يواجهون أوضاعاً متدهورة تجعلهم في أزمة حادة لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، والسكن، والرعاية الصحية. ومع انعدام الخيارات الآمنة والبدائل المتاحة لهم للبقاء في لبنان، يجد البعض أنفسهم مضطرين للعودة إلى سوريا، رغم المخاطر الأمنية وعدم الاستقرار. ويقف هؤلاء اللاجئون أمام معضلة كبيرة بين انعدام الأمان والموارد في لبنان، وغياب الضمانات الأمنية لدى عودتهم إلى سوريا، مما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات صعبة تزيد من معاناتهم وتفاقم المأساة الإنسانية.
وأكدت الشَّبكة أنَّ رغم حالات العودة الجزئية والقسرية لبعض اللاجئين السوريين، لا تزال سوريا بيئة غير آمنة لهم، حيث يستمر النظام السوري في ممارساته القمعية، من اعتقالات تعسفية، واختفاء قسري، وتعذيب.
وثّقت الشَّبكة اعتقال قوات النظام ما لا يقل عن 208 من العائدين قسراً منذ بداية عام 2024، بينهم طفلان وست نساء، ولقي ستة من المعتقلين حتفهم تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز. كما يستمر النظام في إصدار تشريعات تتيح له الاستيلاء على ممتلكات اللاجئين والمشردين قسراً، ضمن سياسة ممنهجة لتعزيز السيطرة على الأراضي والممتلكات التي تركها أصحابها.
وتتعدد الانتهاكات الموثَّقة في التقرير، وتشمل الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والتجنيد الإجباري على يد قوات النظام السوري، إضافة إلى عمليات الابتزاز المالي، والتمييز في توزيع المساعدات الإنسانية. كما استعرض التقرير الإجراءات المجحفة التي اعتمدتها بعض أطراف النزاع للسماح بعودة اللاجئين إلى مناطقها، بما في ذلك التحكم بفتح وإغلاق المعابر، وإجراء تحقيقات أمنية، وفرض وجود كفيل، إلى جانب الأوضاع الإنسانية الصعبة التي واجهها اللاجئون عند العبور بين مناطق السيطرة المختلفة.
بحسب قاعدة بيانات الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، تم توثيق اعتقال ما لا يقل عن 26 لاجئاً، بينهم امرأة، عادوا من لبنان هرباً من تصاعد النزاع بين إسرائيل ولبنان، وذلك خلال الفترة من 23 أيلول/سبتمبر حتى 25 تشرين الأول/أكتوبر 2024. من بين هؤلاء، اقتيد أربعة للتجنيد الإجباري أو الاحتياطي، بينما قُتل أحد المعتقلين نتيجة التعذيب داخل مراكز الاحتجاز، حيث تم تسليم جثمانه إلى أسرته.
ووفق الشبكة فإن هذه الأرقام تبرز استمرار النهج القمعي للنظام السوري تجاه العائدين، وتوضح غياب الضمانات الحقيقية رغم الإجراءات الشكلية المفروضة عليهم، مما يؤكد أنَّ الانتهاكات الحالية لا تختلف كثيراً عن تلك التي دفعتهم إلى اللجوء في البداية، ليظل الاعتقال والتجنيد القسري والاختفاء القسري واقعاً يتفاقم في حياتهم.
أشار التقرير إلى أنَّ اللاجئين اللبنانيين استفادوا من مراكز إيواء رسمية بلغ عددها نحو 30 مركزاً موزعاً في محافظات ريف دمشق، طرطوس، اللاذقية، حمص، حماة، وحلب، بينما بقي غالبية اللاجئين السوريين، وخاصة من تهدمت منازلهم، بدون مأوى رسمي. وقد اضطر كثير منهم للاعتماد على دعم الأقارب أو اللجوء إلى تجمعات غير رسمية، وقضى آخرون فترات طويلة في العراء، حيث تلقت بعض الأسر مساعدات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر شركائها المحليين المرتبطين بالنظام السوري، إلا أنَّ هذه المساعدات لم تكن كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وأورد التقرير أنَّ التقديرات تشير إلى أنَّ حوالي 23,409 لاجئاً سورياً عائداً من لبنان، أي نحو ربع عدد العائدين، توجهوا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، إما لانتمائهم لتلك المناطق أو لتجنب المخاطر الأمنية في مناطق النظام. عبر معظم هؤلاء اللاجئين من معبر الطبقة في محيط الرقة أو معبر التايهة قرب منبج في ريف حلب، للوصول إلى شمال شرق سوريا، الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد (في محافظات الحسكة، والرقة، ودير الزور. بينما توجه آخرون عبر معبر عون الدادات قرب منبج إلى شمال غرب سوريا، الخاضع لسيطرة قوات الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام.